السؤال: السلام عليكم سددك الله ونفع بك، أنا لي تجربة طيبة في هذا الجانب في عالم الحلقات والشباب، والسؤال الآن: كيف أستطيع أن أصقل نفسي أكثر؟ كيف أكوّن نفسي كصاحب مشروع مؤثر في هذا الجانب؟.. أصدقك القول: أنا أتخبط وأشعر أن مجرد القراءة ليست كل شيء فهل هناك منهج قراءي تربوي متين تنصح به المربي الذي يريد أن ينتقل بنفسه نقلة نوعية؟ هل هناك جهات تقدم دورات وبرامج نوعية تنصح بمتابعتها والالتحاق بها؟ ولو سافرت لها مراراً، دلني من فضلك.. ولو كلفتك عناء الجواب لكنك ستجد قلباً مُقبلا يرجو أن ينفعه الله بما تقول، وسامحني على الإطالة جزيت الجنة.
الجواب: وعليكم السلام. سؤالك _ أخي الكريم – كبير، وقد تضمَّن أربعة من الأسئلة. وهي أسئلة مشروعة ترِد على بعض المشتغلين بالتعليم والتربية، وتدلُّ على همٍّ يتلجلج في قلب صاحبها.
أولها: كيف أستطيع أنْ أصقل نفسي أكثر؟
الدأب والمعاناة. معاناة العمل التربوي ومعالجة قضاياه في الميدان هي التي تصقل فيك شخصية المربي؛ وذلك إذا اقترنت بأمرين: اطلاع دائم على المعارف التربوية، لأنَّ المعارف تشكّل لديك مخزوناً معرفياً ترجع إليه في مواقفك التربوية ويفتح لك آفاقاً من أفكار العمل التربوي، ولزوم خبير تربوي يصقل الخبرات الخشنة ويجلي صدأها.
ثانيها: كيف أكوّن نفسي كصاحب مشروع مؤثر في هذا الجانب؟
أنت – يا أخي الكريم – صاحب مشروع!
وهل مشروعٌ يوازي ما أنت مشتغل به؟
إنَّ تربية الشباب من أعظم المشاريع الإسلامية، وهي أول مشروع قام به نبينا صلى الله عليه وسلم، وهي المشروع الذي عكف على تشييده الكثير من أئمة الإسلام وفضلائه، ومنه برز في تاريخنا مصطلح (الأصحاب) فيقولون: علقمة من أصحاب ابن مسعود، وابن القيم من أصحاب ابن تيمية… والقائمة تطول.
فأنت تقوم على مشروع عظيم؛ طالما جلست إلى الناشئة والشباب فأنت كذلك، فلا تفرِّط في مشروعك. غير أنَّ هذا المشروع ليس له أضواء، ولا استعراضات، ولا هو مما تشتهيه عدسات المصورين ولا يوميات المشاهير، ولذلك ينسى بعض المربين – حين لا يجد شيئاً من الاحتفاء – أنه في عمل شريف ومهم للغاية، وينسى أنه يشارك أمثاله في بناء مستقبل الأمة المشرق.
كما أنَّ تربية الشباب ذات نفَس طويل وتأثير بطيء إلا أنَّ تأثيرها يمتد لعشرات السنين، وأحياناً يمتد تأثيرها إلى مئات السنين، فهذه الأسماء المشهورة المعروفة، في ماضينا وحاضرنا، والتي لها كبير الأثر على تاريخ الأمة وحاضرها؛ إنما كانت في مرحلة من العمر جالسة بين يدي المعلم والمربي، تقتبس منه وتفيد منه.
ثالثها: هل هناك منهج قراءي تربوي متين تنصح به المربي الذي يريد أن ينتقل بنفسه نقلة نوعية؟
ليس هناك منهج محدد، المهم أنْ تصنع لنفسك أنت منهجاً تسير عليه في قراءتك واطلاعك. ولكن عليك بالكتب السمينة، قراءة وتحليلاً وتلخيصاً. وعليك بطرح الأسئلة على طلبة العلم المشتغلين بالتربية. وعليك بالاستماع والإنصات إلى محاضرات الكبار عبر اليوتيوب.
وأحيطك علماً بأنَّ المرء لا يصل إلى (النقلة النوعية) بما يتحصل له من العلم فقط، وإنما بما يقدمه من عمل.
كما أحيطك علماً بأنَّ (النقلة النوعية) ليست حكماً يصدره الآخرون عليك في تقويمك وتقويم أعمالك، وإنما هي أثرٌ حقيقي يكتبه الله عز وجل على يديك فتنتفع به يوم الحساب حين ترى التثقيل العظيم في ميزان حسناتك بفضل ما كتبه الله على يديك من أثر؛ ولو لم يره الناس. ولذلك أوصيك بأنْ تصرف نظرك عما يقوله الآخرون، وألا تغتر بتصفيقهم لك أو لغيرك.
كما أحيطك علماً أنَّ البناء المتين والمتأني أجدر بالاهتمام من (النقلة النوعية)، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (القصد القصد تبلغوا).
رابعاً: هل هناك جهات تقدم دورات وبرامج نوعية تنصح بمتابعتها والالتحاق بها؟
لا أعرف أنَّ جهة ما قادرة على أنْ تصنع منك عظيماً؛ ما لم تكن أنت عظيماً باهتمامك وحماسك ومثابرتك. فإذا كنتَ كذلك فاقترب ممن يعينك على تحقيق أهدافك، سواء كان ذلك مربٍياً فاضلاً أميناً، أو كانت مؤسسة (متعلمة) تنتمي إليها، ومعنى (متعلمة) أنها تتخذ من التعلم استراتيجية للارتقاء بعملها.
وفقك الله وسددك، ونفع بك، وكتب على يديك الخير.
2 ربيع الآخر 1440هـ