من أهم وظائف التربية الإسلامية: تحويل الجيل الجديد إلى عناصر منتجة وفاعلة، بحيث يستطيع أنْ يتفاعل مع واقعه بشكلٍ إيجابي، وأنْ تكون الأشياء من حوله مساعدة له على النجاح في شؤون حياته. وهذا مقتضى قول الله تعالى: (ألم تر أن الله سخر لكم ما في الأرض).
فإذا كانت هذه الموجودات هي في خدمة الإنسان فإنَّ وظيفة المربي هي تربية الجيل الجديد على حسن إدارة هذه الموجودات المسخرة له.
إنَّ الجيل الجديد يحتاج إلى تعلٌّم ثلاث مهارات إدارية تتعلق بحياته، وهي: إدارة الحياة الأسرية، وإدارة الحياة الدراسية، وإدارة الحياة التكنولوجية. وفيما يلي بعض الملحوظات:
إدارة الحياة الأسرية:
في البيت يقضي الابن و البنت جزءاً كبيراً من حياتهما، فينامان فيه، ويأكلان فيه، ويمثل البيت بيئة رئيسية في حياتهما.
وهذه البيئة تشتمل على شبكة من العلاقات والمهام والوظائف، والتي من الواجب – لاستمرار الحياة المنسجمة على الأقل – أنْ يتقنها الابن والبنت.
وعلى رأس هذه العلاقات: علاقة الابن أو البنت بوالديهما، حيث أحكم الله سبحانه بر الوالدين كما هو معلوم، قال الله تعالى: ﴿وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعۡبُدُوٓاْ إِلَّآ إِيَّاهُ وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَٰنًاۚ إِمَّا يَبۡلُغَنَّ عِندَكَ ٱلۡكِبَرَ أَحَدُهُمَآ أَوۡ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَآ أُفّٖ وَلَا تَنۡهَرۡهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوۡلٗا كَرِيمٗا ٢٣ وَٱخۡفِضۡ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلِّ مِنَ ٱلرَّحۡمَةِ وَقُل رَّبِّ ٱرۡحَمۡهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرٗا ٢٤﴾[الإسراء:23-24]. وفي هذه المسألة يتطلب تربوياً نقطتين:
النقطة الأولى: التأكيد الدائم والمستمر على محورية بر الوالدين في الإسلام، وأنها مسألة لا تقبل التأويل ولا الاستثناء، وأنَّ الله تعالى أوجب برهما في حال كونهما في صف الأعداء الكافرين، كما في سورة لقمان: ﴿وَوَصَّيۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ بِوَٰلِدَيۡهِ حَمَلَتۡهُ أُمُّهُۥ وَهۡنًا عَلَىٰ وَهۡنٖ وَفِصَٰلُهُۥ فِي عَامَيۡنِ أَنِ ٱشۡكُرۡ لِي وَلِوَٰلِدَيۡكَ إِلَيَّ ٱلۡمَصِيرُ ١٤ وَإِن جَٰهَدَاكَ عَلَىٰٓ أَن تُشۡرِكَ بِي مَا لَيۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمٞ فَلَا تُطِعۡهُمَاۖ وَصَاحِبۡهُمَا فِي ٱلدُّنۡيَا مَعۡرُوفٗا﴾[لقمان:14-15].
هذه النقطة وإن بدت بدهية أو مسلَّمة لدى الكبار فإنها اليوم اهتزت وتخلخلت بتأثير الإعلام البائس والمنحل، وبفعل قنوات التواصل الاجتماعي التي لم تسلم من التحريض على الوالدين بشكل مباشر أو غير مباشر.
النقطة الثانية: التدريب على مهارات بر الوالدين، وهي نقطة مهمة، لأنَّ كثيرين من البنين والبنات يودون أنْ يكونوا بارين بوالديهم ولكنهم يخفقون، وأحياناً يكررون إخفاقاتهم إلى درجة الإحباط أو الوصول إلى مرحلة ضعف تقدير الذات مما يضطرهم إلى الاستسلام له، أو الاقتناع بأنَّ الوالدين لا يساعدانني على برهما فلا يستحقانه.
وتتزامن إشكاليات هاتين النقطتين مع تدني مستوى الخوف من الله وتعظيم أمره ونهيه في النفوس.
وقد تبدو هذه النقطة تافهة، لكنها في الحقيقة أصل كثير من المشاكل في البيوت، أيْ أن ثمة فجوة تواصلية بين الوالدِين وأولادهم تتولد عنها المشكلات وبعض الانحرافات من الطرفين.
وعليه فنحن ملزمون بتدريب البنين والبنات على:
- مهارات التحدث والإنصات إلى الوالدين.
- مهارات في استيعاب طريقة الوالدين في الحياة (علاقاتهم وأفكارهم نمط معيشتهم..).
- مهارات في تكوين صورة إيجابية وإثبات الذات أمام الوالدين.
ثم يأتي بعد ذلك في العلاقات الأسرية: علاقة الإخوة والأخوات وامتداداتهم، والأجداد وامتداداتهم.
ومن المهام التي يجب تدريب الابن والبنت عليها:
- إدارة الوقت الأسري (كيف يقضي الابن أو البنت الوقت في البيت).
- إدارة مسألة (الواجبات والحقوق) الأسرية والمنزلية.
- إدارة المسؤوليات الأسرية والمنزلية.
- إدارة العلاقات في الأسرة (الحب – المشاكل – التفاهم – القيم الاجتماعية للأسرة).
إدارة الحياة الدراسية:
الدراسة إحدى المهام المحورية في حياة الجيل الجديد، وتتطلب قدرة على النجاح في نتائجها، ذلك أنَّ عدداً من الإشكالات تكتنف مسألة الدراسة، كالفجوة بين سوق العمل والدراسة، والفجوة بين قيم المدرسة وقيم الإعلام، والفجوة بين متطلبات الدراسة وسطوة الترفيه… إلخ
وهناك إشكالات من نوع آخر، تتعلق بالمهنية التعلُّمية، كالاستيعاب والتحصيل… إلخ.
هنا يتوجب على محاضن التربية أن تساهم في تدريب الطلاب والطالبات على إدارة هذه المنظومة الدراسية، فمثلاً:
- تدريبهم على مهارات حضور الحصة الدراسة (الاستماع – التقييد – السؤال – الإجابة…)
- تدريبهم على المهارات التحصيلية (التلخيص – التحليل – المذاكرة – الحفظ…).
- تدريبهم على إدارة العلاقات الدراسية (المعلم – الزملاء – مجموعات الواتس آب…).
- مساعدتهم على اتخاذ قرار التخصص الثانوي، ثم التخصص الجامعي.
- تدريبهم على طرق التعامل مع السلوكيات المنحرفة (التنمر – التحرش – الغش…).
إدارة الحياة التكنولوجية:
التكنولوجيا اليوم تمثل مكوناً رئيسياً لشخصيات الجيل الجديد، ويقضون مع أجهزتها نفيس الأوقات يومياً، فهي توفر لهم ثلاثة متطلبات مهمة: الترفيه والتواصل مع الآخرين والمعرفة. كما توفر لهم دفء العاطفة وامتصاص الانفعالات وتفريغ الشحنات وإثبات الذات، وأحياناً: صناعة الطموح.
لكن التكنولوجيا ليست منظمة، كما أنها ليست إيجابية في كل تفاصيلها، وهذا سيجعل الجيل الجديد في مهب الأفكار والعلاقات والمعارف المذمومة. لذلك يجب على المربين:
- تدريبهم على إدارة حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي (العلاقات – المعلومات – المشاركات).
- تدريبهم على التوازن بين واجبات الحياة المختلفة والعيش في الحياة التكنولوجية.
- تعريفهم بالجوانب القانونية والأمنية المتعلقة بالتكنولوجيا.
- تدريبهم على الطرق الصحيحة في التعامل مع الاعتداءات الإلكترونية.
- بناء منهجية تفكير جيدة لتحصينهم من التضليل الإلكتروني.
- تدريبهم على الإيجابية في المجال الإلكتروني.
في واقع الأمر فأنا لا أتحدث عن مجرد إقناع الجيل الجديد بأهمية الموضوعات أعلاه، بل أتحدث عن المهارات والإجابة عن سؤال: كيف أفعل؟
شكرا لك
استمر
زادك الله
إعجابإعجاب