السؤال: أكرمك الله بعفوه وعافيته. ألحظُ ضعفاً عند أبناء الطيبين، يُنبيك عن هشاشة داخلية، هم يحفظون القرآن في الحلقات والدور، يصلون ويتطوعون، لكن القناعات والاهتمامات – عند مناقشتهم فيها – تحزنك بل قد تخاف عليه من اهتماماته وتطلعاته المستقبلية! ما الحل الفعلي لتعزيز الهوية والسلوك الإسلامي مأجوراً.
الجواب: كتب الله أجرك. أما ما ذكرتيه أختي السائلة عن بعض أولاد الطيبين، من هشاشة داخلية رغم وجودهم في صفوف المصلين وفي صفوف الحفاظ فصحيح لا تخطئه العين، وهم كغيرهم من أبناء المجتمع يتفاعلون مع المؤثرات ويتأثرون بها، لا سيما وقد تساوى أبناء المجتمع في وقوعهم تحت ضغط المؤثرات. وأصبح كثيرٌ من الآباء والأمهات في حيرة وعنتٍ جراء ما يلحقهم من متابعة أولادهم وتوجيههم.
وليس هذا مقام بسط الأسباب التي أدَّتْ إلى هذا الحال. لكن تمكن الإشارة إلى أنَّ سطوة من الإعلام الفاسد وانحراف في التشريعات وضعف في الوعي التربوي لدى الأسرة والمؤسسة التربوية.. كل ذلك أسهم في إفراز هذا الحال.
وهذا السؤال كبير ويتطلب إجابة مطولة قد تصل إلى عشرات الصفحات، أو يتطلب عقد المؤتمرات والندوات، أو ربما يتطلب تسجيلات صوتية ومرئية للإجابة عنه، وأرجو أنْ ييسر الله تعالى لك من ينهض بذلك.
وسأحاول الإيجاز في عرض أهم النقاط المتعلقة به.
أولاً، أعتقد بضرورة العمل على أربع استراتيجيات في هذا الجانب:
الاستراتيجية الأولى: دوام اللجوء إلى الله ودعائه بصلاح الأولاد والذريات، فهذا دأب عباد الله الصالحين، قال الله تعالى: (والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماماً) ومما امتن الله به على نبيه زكريا أنه سبحانه استجاب له دعاءه ووهبه يحيى وجعله نبياً مباركاً.
الاستراتيجية الثانية: تحسين التواصل المتبادل بين الوالدِين والأولاد، حيث توجد فجوة ثقافية متسعة بينهما مما تؤدي إلى التنافر والفهم المغلوط، وعليه فإننا بحاجة إلى تحسين التواصل ليتم من خلاله:
- القدرة على استيعاب الطرف الآخر وفهم طريقة تفكيره، والصبر على أخطائه.
- القدرة على تأثير الوالدين على أولادهم وإقناعهم.
- القدرة على صناعة صورة إيجابية لدى الأولاد عن ذواتهم أمام والديهم.
- القدرة على إدارة العلاقات لدى الطرفين بشكل جيد (الحب، المشاكل، التفاهم، القيم الاجتماعية في الأسرة،…).
الاستراتيجية الثالثة: تشكيل تكتل أسري تثقيفي. حيث يجتمع عدد من أرباب الأسر، سواء كان الرابط بينهم قرابة أو مجاورة أو صداقة أو زمالة… إلخ، على ابتكار برنامج تثقيفي مناسب يبني القيم ويعزز الهوية ويخفف من وقوع الأخطاء والانحرافات، ويصبح هذا التكتل في أولويات اهتمامات أرباب الأسر.
وهذه الاستراتيجية ستحل إشكالات كثيرة مع مرور الوقت، وستفتح آفاقاً ممتازة في التربية الأسرية.
الاستراتيجية الرابعة: تلمُّس البيئات التي تساعد على الحفاظ على الهوية وتعزيزها، كانتقاء المدارس والجيران والأنشطة التربوية.
ثانياً، هناك عدد من الإجراءات ينبغي على المجتمع التربوي اليوم أنْ يضطلع بها:
- تربية عقلية جادة، تستهدف بناء منهجية تفكير جيدة لدى الأولاد، وتمدهم بالتثقيف اللازم، وتحصن عقولهم من الأفكار الهدامة.
- تدريب الوالدين على التواصل الجيد مع أولادهم.
- استثمار (بمعنى التفعيل الحقيقي) قنوات التواصل الاجتماعي في غرس القيم والمبادئ.
- ابتكار أفكار تثقيفية مدارها الجوال.
- ابتكار أفكار تثقيفية مدارها بيت الأسرة.
- تشكيل وعي أسري عام فيما هو ثابت يجب المحافظة عليه وما هو متغير يقبل التحديث والتطوير، وكيفية ذلك.
- تدريب الوالدين على حل المشكلات وعلاج الانحرافات.
وتجدر الإشارة هنا إلى أنَّ الأسرة لوحدها غير قادرة في هذا الزمن على الوفاء بكل المتطلبات التربوية اللازمة، إذ ينبغي على المؤسسة التربوية الرسمية والمجتمعية أنْ تقوم بواجبها تجاه ذلك، لأنَّ حجم الهجمة المفسدة للأسرة أكبر بكثير من قدرة الأسرة على مواجهتها.
وعلينا أنْ ندرك أنَّ العمل في هذا الاتجاه – أعني تعزيز الهوية والسلوك الإسلامي لدى الأولاد – هو رباطٌ على ثغرٍ عظيم من ثغور المسلمين وجهادٌ في سبيل الله، يؤجر عليه الإنسان أجراً عظيماً، إذ فيه حمايةٌ للمجتمع من التغوُّل الإلحادي والانحلال الأخلاقي واللذَين هما أخطر من الغزو العسكري.
وعلينا أنْ ندرك أيضاً أنَّ العمل في هذا الاتجاه لا يُنجز في بضعة أيام، بل يتطلب الكثير من الوقت، وعلى الوالدين والممجتمع التربوي أنْ يطيلوا النفَس.
أصلح الله لنا ولكم الذريات.
25 ذو الحجة 1440هـ