السؤال: أنا معلم للطلاب في المرحلة المتوسطة، وأسمع كثيراً من طلابي حديثهم عن المسلسلات الدرامية، وعلمت منهم كثرة مشاهدتهم لها، فهل أمنعهم أم أسمح لهم بمشاهدة شيء منها وما يسمى بالمسلسلات المحافظة أم ماذا أفعل؟
الجواب: المسلسلات الدرامية السيئة مما ابتليت به الأمة في هذا الزمن وعمت بها البلوى لدى أوساط الشباب، وفيها شرور عظيمة، من أهمها:
1- تصوير الحياة الإنسانية بالعدمية والعبثية من خلال سيناريوهات خطيرة على النشء، وهذا مما يطول شرحه وبيانه، ولكن على سبيل المثال: قد يجتمع في البطل قمة الشهامة وقاع النذالة، وقد يتحول من قديس إلى إبليس ثم يعود قديساً، وقد تنتهي الدراما بلا غاية ومعنى أو بصورة بائسة لبطل كافح طيلة تلك الحلقات. فيذوب المشاهد في البطولات طيلة شهور وأسابيع ثم يجد نفسه – تبعاً للبطل – لا شيء! لا إحقاق للحق ولا إبطال لباطل ولا وجود لمعنى صحيح لهما يستطيع المشاهد استنتاجه، ما يغرس في وجدان الناشئة في نفوسهم انعدام الهدف والرسالة والمعنى في حياتهم، وهذا قد يؤدي في إحدى مراحله إلى الاقتراب من الإلحاد.
2- ترسيخ الشرك بالله وعبادة الأوثان والأصنام والتقليل من الإيمان بالله وبالغيبيات والجرأة على معاندة الرب العظيم وفقد تعظيمه والسخرية من الإيمان وأهله ونبذه من خلال المناقشات العقلية. وهذا خطر عظيم على عقول وإيمان الناشئة، يؤدي بهم مع مرور الوقت إلى الكفر بالله أو ضعف الإيمان به.
3- نشر الإباحية والشذوذ وتطبيع العلاقات المحرمة إذ تعرض هذه المسلسلات ثقافة القوم المبنية على إباحة هذه المحرمات، فيشاهد النشء – بشكل مستمر – مشاهد العلاقات الحرمة ومشاهد الزنا والفاحشة، والتي – مع مرور الوقت – ستكون أمراً غير مستنكر في قلوبهم فتتنمى فيهم الدياثة وقبول الفاحشة وانعدام الغيرة، كما هو الحال في المجتمعات الغربية.
4- تطبيع المحرمات كشرب الخمر وأكل الخنزير والمستقذرات والقتل بغير الحق والسرقة والغصب والاعتداء والكذب ولبس ما حرم الله… إلخ.
وعليه.. فإنه من الواجب تحذير الناشئة من المسلسلات التي تحمل هذه المضامين، تحذيراً يناسب أعمارهم وثقافاتهم، بحيث يقوم المربي بعمل التقنيات والأساليب المناسبة والقادرة على تنفير الناشئة منها. وفي هذا الإطار عليه ملاحظة الآتي:
أولاً. أهمية غرس الإيمان باليوم الآخر والتذكير الدائم بالحساب والجزاء، لأن ذلك يولد طاقة إيمانية عالية تساعد الناشئة في الكف عن هذه المحرمات.
ثانياً. طرق مسألة النظر الحرام المتعلق بالمسلسلات والأفلام طرقاً مناسباً ومؤثراً.
ثالثاً. ربما احتاج المربي في هذه الحال إلى تقريب ما كان خلاف ما ذكرتُ لك من المسلسلات، وإنْ وجد فيها بعض المحظورات الشرعية، كما هو الحال اليوم في وجود صور النساء ووجود الموسيقى في بعض المسلسلات التي تحمل قيماً وفضائل ومفاهيم إسلامية، مبتعدة عن المناظر الخليعة وعن الدعوة إلى الرذيلة والشرك بالله وعن اللامعنى في الحياة.
وهذا التقريب في حال وجد المربي نفسه محتاجاً إليه، وإلا فإن الأصل ألا يدعى الناس إلى ما تضمن حراماً، ولكن المربي يراعي التدرج في الانتقال بالناشئة من منطقة الحرام المغلظ المتين إلى المنطقة الجيدة ولكنها تضمنت حراماً أقل وأخف. فيدخل في قاعدة المصالح والمفاسد، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (فإذا ازدحم واجبان لا يمكن جمعهما فقدم أوكدهما لم يكن الآخر في هذه الحال واجباً ولم يكن تاركُه لأجلِ فعلِ الأوكدِ تاركَ واجبٍ في الحقيقة، وكذلك إذا اجتمع محرمان لا يمكن ترك أعظمهما إلا بفعل أدناهما لم يكن فعل الأدنى في هذه الحال محرماً في الحقيقة وإن سمي ذلك ترك واجب وسمي هذا فعل محرم باعتبار الإطلاق لم يضر)[مجموع الفتاوى 20/ 57].
رابعاً. الرفق واللين في معالجة هذه المسألة، وطول النفس والصبر، والإغضاء عن الأخطاء قدر الممكن، لأن العبرة هي بتحقق ما نسعى إليه من التأثير والتغيير المفضيين إلى اقتلاع المادة الفاسدة من أصلها، لا بمجرد القول والأمر والنهي.
خامساً. إشغال الناشئة بأعمال ومهام تستنفد طاقاتهم وتصقل مواهبهم وتشبع احتياجاتهم من القبول والنجاح، فيروا أنفسهم (أبطالاً) حقيقيين بدلاً عن الذوبان في أبطال السينما، ويتعودوا العمل والإنجاز بدلاً عن القعود والاستسلام للشاشات. ولا تقلل من هذا الأمر فإن الأمة حين كانت مشغولة بما ينفعها لم تكن بحاجة إلى من يسليها أو يدهشها.
والله الموفق.
18 صفر 1441هـ