اسم الكتاب: سفر برلك وجلاء أهل المدينة المنورة
المؤلف: د.سعيد بن وليد طوبه، طبيب ومعتني بتاريخ المدينة المنورة.
الناشر: نادي المدينة المنورة الأدبي، الطبعة الثانية، 640 صفحة من القطع الكبير.
عرض موجز
الكتاب يتحدث عن فقرة تاريخية مهمة من تاريخ المدينة النبوية، وهي الفقرة التي تضم ما بين عامي 1334هـ و1337هـ، فترة الحصار الذي فرضه الشريف حسين والإنجليز على المدينة النبوية، ضمن الثورة العربية على الحكم العثماني، مما أفضى بالحاكم العسكري حينها فخري باشا إلى فكرة إنقاذ أهل المدينة من تبعات الحصار: المجاعة والأمراض والقتل بترحيلهم إلى العواصم التابعة للعثمانيين كدمشق وحلب واسطنبول وعمان عبر القطار.
ابتدأ الكتاب بمقدمة بين المؤلف منهجه في الكتاب ومنه: اتخاذ موقف الحياد في الأحكام. يقول: (غير أني اتخذت لنفسي موقف الحياد، وذلك لما رأيت الموضوع تتنازعه الأطراف، بين فئتين متخاصمتين من أبطال هذه الرواية الواقعية، وهما العثمانيون والأشراف…).
و(سفر برلك) تعني النفير العام باللغة التركية، في مجتمع المدينة والحجاز تعني الترحيل القسري الجماعي لأهالي المدينة إلى تركيا والشام.

تحدث المؤلف عن ما أسماه: الإشارات النبوية لحادثة سفر برلك، حيث استعرض الأحاديث الواردة في خلو المدينة من أهلها مثل حديث: (لتتركن المدينة على أحسن ما كانت عليه…).
وفي مدخل مهم لتوطئة تاريخ الحادثة تحدث المؤلف عن ما وصلت إليه المدينة من تطور وازدهار في العهد العثماني الأخير كالعهدين الحميدي والمجيدي خاصة بعد الانتهاء من مشروع سكة القطار الحديدية التي تصل المدينة بدمشق وما بعدها، رغم اعتراض الشريف حسين عليها. وقد أصبحت المدينة جاذبة فتضاعف عدد سكانها من 20 ألف إلى 80 الف أو 130 ألف وعم الرخاء فيها.
كما لم يفته الحديث عن الاتحاديين وتأثيرهم السلبي على السياسة العثمانية بما أحدثوه من الدعوة إلى التتريك في المناصب ومناهج التعليم مما أدى إلى نشوء دعوة مضادة إلى القوميات الأخرى كالعربية، وضعف الولاء العربي للدولة التركية. وصار التعليم في المدينة باللغة التركية رسمياً وأصبح لجمعية الاتحاد والترقي فرع في المدينة.
ومن المهم هنا أن يذكر المؤلف إحدى إفرازات الدعوات القومية أعني: دعوة الشريف حسين إلى انفصال الأمة العربية عن الدولة التركية (العثمانية) مستهدفاً أن يكون زعيمها، واتصل بالإنجليز للوصول إلى هذا الهدف مقابل إمداده بالمال والعتاد والخبراء. تزامن هذا الأمر مع التهيئة العالمية لنشوب الحرب العالمية الأولى التي كانت الدولة العثمانية في طرف دول المحور (والمدينة تابعة لها) والإنجليز في طرف الحلفاء (والشريف حسين تابع لهم).
وقد أسهب المؤلف في عرض مقدمات حادثة السفر برلك من عصيان الشريف حسين وتعنته واتصاله بالإنجليز، ومشاركة أهل المدينة في قتال الدولة العثمانية ضد الإنجليز في حملة ترعة السويس 1333هـ بنفير عام لإنقاذ السويس من الاحتلال البريطاني، وذكر لمحاً من البطولات والمواقف المشرفة من أهل المدينة وعلمائها.
الثورة العربية الكبرى وسفر برلك
هذا المبحث هو لب الكتاب، وفيه تطرق المؤلف إلى عدد من الموضوعات.
في خديعة من الشريف حسين أرسل 1500 جندي عربي متطوع بقيادة ابنه علي إلى المدينة باعتبارهم ضمن حملة ترعة السويس وعسكروا بالقرب من المدينة جنوباً. آملاً أن تمدهم الحكومة التركية بالسلاح فينقلبوا عليهم فور خروجهم مع الجيش العثماني الموجود في المدينة.
أحس الأتراك بخديعة ما. فأوقفوا تحرك الجيش وأوقفوا إمداد الأشراف بالسلاح.
أرسل جمال باشا قائده القوي فخري باشا إلى المدينة باعتباره متنسكاً فإن رابه أمر العصيان فإن عليه أن يقود المدينة عسكريا ومدنيا.
وصل الشريف فيصل من دمشق إلى المدينة وانضم إلى أخيه. فخري باشا حاول استصدار قرار بالقبض عليهما، لكن القيادة في دمشق تجاهلت طلبه. فخرج الأخوان، وانفصلا بجيشيهما، وأصبحت المدينة محاطة بثلاثة جيوش: الشريف فيصل من الشمال ومهمته قطع المدينة عن ينبع، والشريف علي من الجنوب ومهمته قطع المدينة عن مكة، والشريف عبد الله من الشرق ومهمته تخريب السكة الحديدية وقطع الطريق عن الشام. وكانت القوات التركية في المدينة تبلغ 23300 مقاتل مع السلاح.
علماء المدينة انقسموا في تأييدهم للثورة العربية إلى فريقين، وهذا الانقسام حدث مثله في العالم الإسلامين فصدر التأييد للثورة العربية من مكة ضد الاتحاديين وصدر التأييد من دمشق للعثمانيين ضد الثائرين. أما زعماء العرب فقد ابدوا تأييدهم للثورة العربية في تجمع رسمي عقدته الحكومة البريطانية الهندية في الكويت.
وقعت معارك بين الطرفين واشتعلت الثورة في المدينة واحتل الأشراف عوالي المدينة وجبل عير. وتم تعيين فخري باشا قائدا أعلى لقوة حملة الحجاز، وحدث قتال عنيف أسفر عن استعادة فخري باشا للعوالي وقباء وسحق جيش الأشراف هناك.
انضم لورنس إلى جيش فيصل وبدأت عمليات تخريب سكة الحديد وأصبحت المدينة في عزلة عن إمدادات الشام. وتعرض المؤلف لتفاصيل وقصص في تخريب سكة الحديد تدل على دموية المعركة.
لم تخل المعركة بين الأشراف والعثمانيين من سلوك الحرب الناعمة عبر الصحف والخطابات والمنشورات التي تسعى إلى الإقناع والتأثير، فأنشأ الأشراف جريدة القبلة، وأنشأ العثمانيون جريدة الحجاز، أما الإنجليز فكانوا يلقون المنشورات من الطائرات على الجنود الأتراك في المدينة بغرض إرباكهم.
استولى الشريف حسين على مكة ثم جدة والطائف، فرأت إدارة الحرب من الطرف العثماني أن المدينة بحاجة إلى دفاع أقوى في ذات الوقت الذي تحتاج إلى مثله في فلسطين، فهي مخيرة بين ترك فلسطين تسقط بيد العدو أو سقوط المدينة. فرشحت الثاني وأرسلت إلى فخري باشا بانسحابه وجيشه من المدينة للحاق بهم في فلسطين. فصعق فخري باشا من قرار الانسحاب وقال: (سأصمد مدة طويلة، وإن أملي بالله كبير، وأسترحمكم ألا تجعلوني أنا من ينزل العلم الذي غرسه أجدادنا في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم).
في ربيع الأول 1335هـ سقطت الوجه تحت قذائف البوارج الإنجليزية واتخذها الشريف فيصل قاعدة له. وانقطعت الإمدادات البحرية العثمانية، وهذا يعني مرحلة جديدة وفاصلة في الحصار، ودخول المدينة في دوامة الجوع والفقر والمرض والموت الجماعي.
هنا أصدر فخري باشا أمراً بإجلاء أهل المدينة إلى الشام وأطرافها إنقاذاً لهم وتحويل المدينة إلى منطقة عسكرية خالية من المدنيين، وأعلن للناس هذا القرار وحثهم عليه.
الذين خرجوا طوعاً واختياراً بعد هذا القرار 40 ألفاً، ولما خشي فخري باشا من الإجهاز التام للقطار ورأى تباطؤ الناس في الرحيل بدأت عملية الترحيل قسراً، فكان كل من يراه العساكر يحملونه إلى القطار دون الرجوع إلى ذويه أو حمل أي متاع معه، سواء كان طفلا أو رجلا أو امرأة أو شيخا، وفي نفس الوقت قلت المؤونة وبدأ الجوع.
ونتج من التهجير القسري فواجع ومآسي هي التي أراد المؤلف إخراج الكتاب من أجل بيانها، وهي بحق مشاهد مؤلمة، فهذا أب يُهجَر وبناته الصغار لا زالوا في البيت، وهذه امرأة تهجر بلا ولي، إلخ.
وبدأ فصل جديد من المجاعة التي ضربت المدينة وفتكت بمن تبقى فيها من الناس والدواب والأنعام، وتخلت الحكومة التركية عن إمداد المدينة بسبب تقارير خاطئة بأن لديها ما يكفي.
قام فخري باشا بإدارة عسكرية لمؤونة التجار وتحصيلها لصالح الجيش على حساب المدنيين، وجاع أهل المدينة بسبب الحصار حتى باع الرجل بيته بكيس رز.
انتقلت المجاعة إلى الجيش التركي ثم إلى الحيوانات والخيول والجمال، ونبشت القبور لاستخراج الموتى وأكل جثثهم. فخري باشا كان يرى وجود إمكانية الإمداد بالمؤونة إليه ومع ذلك لا تستجيب له الحكومة.
انتشرت الأمراض ولم يبق في المدينة إلا القليل من الناس ممن آثر أن يموت في المدينة، قرابة الأف فقط أو أقل سنة 1336هـ. وعدّد المؤلف أسماء الأسر المتبقية.
وتحدث عن بعض أحوال أهل المدينة في الشام بعد هجرتهم، وفي غيرها من المدن، وكيف عاشوا هناك حياة المشردين اللاجئين.
فخري باشا رغم الحصار والمسغبة كان حريصاً أن يصنع جو الأمن والرخاء في المدينة عبر افتتاحه للمشاريع الإعمارية وإقامته للمناسبات، وذلك يعبر عن جلده وبأسه، ومحاولة منه لإشغال الناس والعسكر عن اليأس والملل، ففتح الشوارع وأقام البنايات ووسع المسجد الحرام ومد سكة الحديد إلى المسجد وشجع الزراعة، حتى أنه لما جاءه أمر الحكومة بتسليم المدينة للشريف حسين افتتح طريقاً في جبل أحد.
وحين شعر فخري باشا بالخطر نقل نفائس الحجرة الشريفة إلى الحكومة في القطار، كما نقل مكتبتي عارف حكمت والمكتبة المحمودية.
وصدر قرار الصدر الأعظم لفخري باشا بعد هزيمة العثمانين أمام الحلفاء، بتسليم المدينة واستسلام القوات العثمانية، فأخفى الخبر وعزم على رفض الاستسلام، وصنع خطة مفادها سحب قواته إلى داخل المدينة، وخطب الناس في المسجد بطريقة عاطفية وحث الناس على مواصلة الحرب والذود عن المدينة باعتبار ذلك دفعا للإنجليز عن حرم الرسول r.
رغم تكرار البريد الرسمي القادم من الحكومة بالتسليم إلا أن فخري باشا أصر على الصمود، وبدأت انشقاقات داخل الجيش، وهروب جماعي، كان لدى فخري باشا مسوغات لعدم التسليم وهي تبدو منطقية، وهكذا استمرت الانشقاقات والاستسلام حتى لم يبق إلا القليل جداً فاستعفاهم واعتصم بالحرم، ثم تآمر عدد من الضباط فاقتحموا عليه مكانه وخدعوه وقيدوه وسلموه للشريف عبد الله فيي اليومين 7-8 من ربيع الأول 1337هـ.
ودخلت المدينة تحت حكم الأشراف، وبدأ الهدوء يعود إلى المدينة وبدأت قوافل العائدين المدينة في الرجوع، وبدأت الحياة تعود إلى المدينة ومتاجرها وبيوتها ومزارعها ومصالحها، وبلغ عدد السكان بعد هذه الحادثة 15 ألفاً، لكنهم وجدوها منهوبة الاثاث والمتاع من قبل جنود الأشراف.
مراجعة وتقويم
الكتاب يريد التركيز على مسألة يرى المؤلف أهميتها وهي تحديداً: حجم المأساة التي حلت بأهل المدينة الكرام في فترة الحصار من المجاعة والتشريد والتهجير القسري والخوف وإفراغ المدينة من أهلها وضياعهم في البلدان وتعرضهم لشتى أنواع المصائب، مما لا يزال – حسب قول المؤلف – يتناقله أهل المدينة إلى الآن رغم مرور قرن من الزمان على الحادثة.
وإبراز هذه الحادثة بكتاب مفرد لم يسبق إليه، وهذا تفرد منه، والحادثة تستحق ذلك. لكنها في ظني لا يمكن فصلها عن عدد من القضايا والأحداث، وربما لهذا السبب لم تفرد من قبل.
وقد رجع المؤلف وفقه الله إلى مختلف المصادر والمراجع وغاص في أعماق الوثائق وتتبع الروايات الشفهية في جهد لا يخفى حجمه على القارئ المنصف، فأنت حين تقرأ الكتاب فإنك تتنقل ما بين وثيقة رسمية وكتاب مرقوم ورواية مسموعة في حشد هائل للمعلومات، بلغ عدد الأعلام الذين لهم ذكر في الكتاب قرابة 900 اسم. فالكتاب مرجع معلوماتي يحتاج إليه كل من أراد التعرف على أخبار السفر برلك، وفيه من المرويات الشيء الكثير جداً.
إضافة إلى ذلك برز جهد المؤلف وفقه الله في الحرص على تتبع أخبار الحادثة عبر المشافهة، إذ لم يكتف بالقراءة والاطلاع، وهذا كثير في الكتاب، لذلك أقترح على المؤلف أن يعمل مسرداً للفضلاء الذين نقل عنهم مشافهة، مع تعريف موجز لكل منهم، ولا يستطيل ذلك، لأننا إذا اعتبرنا الكتاب مرجعاً مهماً للمعلومات احتجنا إلى هذا المسرد.
كذلك تميز الكتاب بحرص المؤلف على التدقيق في المرويات ونقد المبالغات فيها، واكتشاف الأوهام والأغلاط وتصحيحها، والحرص على الحقيقة، وهذا له أمثلة كثيرة جداً في الكتاب، ومن أقواها وأجلها ما ذكره حول تفسير صمود وإصرار فخري باشا على عدم التسليم في صفحة 500.
واستطاع المؤلف في المدخل التاريخي أن يلخص بجدارة الفترة التاريخية التي سبقت حادثة سفر برلك بحيث يستطيع القارئ أن يمتلك صورة شمولية ممتازة عن تلك الفترة.
هناك عدد من الملحوظات التي أرى كتابتها هنا، ومنها:
- يوجد نقاش من المهتمين حول التسمية (سفر برلك) وبالتالي لا يزال القارئ بحاجة إلى مزيد من معالجة هذا الاسم.
- في اعتقادي أن نقل الرواية الواحدة بكاملها في الموضع الواحد أحدث ارتباكاً لدي أثناء القراءة، لوجود تكرار من جهة، ولأن الرواية أحيانا تأتي على الشاهد في السرد وعلى شواهد أخرى لموضوعات أخرى ربما سبق الحديث عنها.
- بعض النقاط بحاجة إلى شرح وتوضيح كأسماء أماكن أو أعلام كبار أو مصطلحات طبية أو غيرها.
- افترضت على المؤلف أن يحقق مسألة الإشارات النبوية للحادثة بنفس النفَس الذي دقق به الروايات، وربما احتاج إلى الاستعانة ببعض أهل العلم المعاصرين في ذلك.
- هناك شخصيات وقع عليهم الجلاء وغادروا المدينة إلى دمشق وغيرها ثم أصبحوا من أهل العلم والإصلاح، كالبشير الإبراهيمي الجزائري.. لم أجد لهم ذكر في الكتاب.
- سلوك علماء الشريعة في المدينة المختلفين في تأييد الثورة ورفضها.. سيزيد من قيمة البحث، لأنها فتنة، ونحن نود معرفة مواقف أهل العلم في الفتن من خلال وقائع وأحداث.
- يلاحظ عدم اشتراط المؤلف وضع صورة المذكور عند أول ذكر له.
هناك ملاحظات أخرى لكنها جوهرية من وجهة نظري وأعتقد أنها تعيب الكتاب، وأود من المؤلف وفقه الله التنبه لها، ومنها:
- الكتاب لا يذكر المرويات مرتبة حسب التاريخ، وإنما يذكرها حسب الموضوعات كالتهجير والمجاعة ونحوهما، فلا يستطيع القارئ أن يكوّن لديه تسلسلاً في الزمان والحوادث والآثار، بل ربما يشعر القارئ بالتناقض، لأن المجاعة في أول وقتها ليست كما هي في أوجها، وكذلك الحالة النفسية للجنود، وغير ذلك من الأمثلة، ناهيك عن سير المعارك وتدرج الحصار. التسلسل الزمني سيصنع صورة مرتبة لدى القارئ، وربما سيؤدي إلى اختصار المرويات وتركيز المعلومات.
- المؤلف وفقه الله اطلع على العديد من المراجع المهمة في ذكر الحادثة، وقد أشار إليها في مقدمة الكتاب، وحبذا لو عمل عليها مراجعات وتقويم تفيد الباحث الذي سيرجع إلى كتابه هذا.
- المؤلف وفقه الله أمدنا بالعديد من المصورات في جهد مشكور، وما دام أنه شرع في ذلك فإن الكتاب لا يزال بحاجة إلى أكثر من ذلك من المصورات والخرائط التي توضح الكثير من المبهم كأماكن معسكرات الأشراف وغيرها.
- المؤلف وفقه الله التزم الحياد منهجاً له في الرواية ورفض تقويم الشخصيات الأهم في الحادثة وتقويم مواقفها والتزم إظهار الحقائق مجردة، وهذا مما يلاحظ على باحث بهذا القدر الرائع من التتبع والسبر، وأظن أنه في قرارة نفسه لديه تقويمات وأحكام، ربما رأى من غير المناسب إظهارها، وأرى أن هذا من أهم الملاحظات، إذ يعرف من يقرأ الكتاب مدى ما توصل إليه المؤلف من معلومات ومرويات تؤهله إلى أن يدلي بدلوه في الحكم والتقويم، فصاحب المعلومة والمنهج هو أقدر الناس على هذا، ومن غير المناسب أن يترك ذلك للقارئ فحسب، لأن لغة الكتاب تتحكم في تشكيل رؤية القارئ، فأتمنى أن يدلي المؤلف وفقه الله برأيه في عدد من الموضوعات المختلف فيها، وأن يتحمل تبعة ذلك من المخالفين له، فمن ألف فقد استهدف، وقد رأيناه خرج عن الحياد حين تناول المرويات بالنقد واكتشف الأوهام وصوب الأخطاء في مواطن من الكتاب.
- من المهم، في ظل التناول العاطفي لحادثة سفر برلك، أن نستمع للرأي الشرعي والرأي العسكري كذلك في تقويم مسألة إجلاء أهل المدينة آنذاك. أصدقكم القول حين قرأت ما حدث من النهب تساءلت: ماذا لو كانت نساء المدينة في بيوتهن؟
- وددت لو تطرق المؤلف وفقه الله بوضوح وفي مبحث مستقل للحالة الدينية والعقدية لأهل المدينة، وموقفهم من التيارات القوية في ذلك الزمن: الوهابية والتصوف على سبيل المثال، وما مدى محافظتهم أو تحللهم. هذه لا ينبغي إغفالها لما لها من تأثير على سير الأحداث وتشكيل المواقف وطريقة التفكير.
- في ثنايا الكتاب تعرض المؤلف للنبل الاجتماعي لأهل المدينة، وأرى أن هذا ينبغي أن يستقل بمبحث خاص يليق بأهل المدينة.
- بطل القصة: فخري باشا، يفترض أن يفرد له مبحث خاص يقوم فيه باعتباره قائداً عسكرياً وحاكماً إدارياً، وعليه مدار قصة الجلاء.
- هناك عدد من الموضوعات تستحق أن تفرد بمباحث مستقلة ومحققة، مثل: مشروعات إعمار المدينة في عهد فخري باشا، مسألة وضع الأسلحة في المسجد النبوي، تحصيل المؤونة حصراً على الجيش، نهب المدينة بعد تسليمها للأشراف، مسألة نقل الأمانات المقدسة.
أخيراً .. أصدقكم القول إني أمسكت الكتاب لأقرأ منه وِرد 30 صفحة في الأوقات الصفرية، فأجبرني الكتاب على أن أقرأه في 4 أيام مع التدقيق والتلخيص والمعالجة.
شكر الله للمؤلف.