الكثير من الآباء والأمهات الذين لهم اعتناء بتربية أولادهم يتحدثون بمرارة بالغة عن أثر الوسائط الإعلامية في نقض ما غزلوه من المفاهيم التربوية في نفوس أولادهم، فهم يجهدون طاقاتهم في التنشئة الصالحة ويبذلون حر مالهم بغية بناء إنسان صالح يستقيم في حياته ويعود عليهم بالأثر الحسن في حياتهم وبعد مماتهم، لكن ما إن تقع عيون أولادهم على الألعاب الإلكترونية أو المسلسلات التمثيلية إلا وقد انتقص شيئاً مما كملوه أو عبث بشيء مما رتبوه.
يتحدثون – وبمرارة أيضاً – عن سرعة الهدم! عن قوة التأثير!
يتحدثون والقلق ينهش قلوبهم تجاه المستقبل..
لا شك أننا نواجه تربية مضادة، تسعى لاقتلاع القيم والإيمان والفضائل والمروءات، تسعى لتذويب الشخصية وانعدام الرسالة وذبح المعنى ونبذ الغايات وتحييد الفطرة.
وغض الطرف عن قوة التربية المضادة واعتبارها عارضا لا ينبغي تهويله خطيئة تربوية، أو هو قصور في فهم الواقع التربوي، وغالب من يرى ذلك ممن لم يصطلوا بنار التربية الأسرية.
هنا رسالتان:
الرسالة الأولى
لهؤلاء الاباء والأمهات المرابطين في أخطر الثغور التربوية، أقول لهم: هذا قدَركم، أن تكونوا مربين في زمن التربية المضادة، وهو زمن تتضاعف فيه الأجور على هذا العمل العظيم، إذ تجتمع فيه عبادة التربية الأسرية ومشقة المجاهدة والصبر على الضرر الناتج عن التربية المضادة. في أزمان ماضية كان الأولاد يجدون تربية رديفة من المجتمع بمختلف مؤسساته، واليوم قل ناصركم وشح معينكم ولم يبق لكم سوى الله سبحانه، ثم نزر يسير من الجهود المتفرقة.
أشد ما تُوصَون به:
احتساب الأجر، والصبر على أخطاء الأولاد، وطــــــــــــــــــــــول النفس، والقبول النفسي بمستوى الولد القيمي والإيماني، والحرص على دوام الاقتراب منه، وعدم التفريط في بنائه كإنسان محترم.
الرسالة الثانية
للمربين في المحاضن التربوية والمشتغلين بالتربية عموماً..
أقول لهم:
مدوا أيديكم نحو الأسر، اصنعوا شراكات حقيقية معها، ابتكروا البرامج في تنمية الاستقرار وفنون التربية وتحسين التواصل، والاكتفاء من إلقاء اللوم والمسؤوليات على الآباء والأمهات.. اصنعوا شيئاً، ابدعوا أفكاراً. فأنتم والأسرة في ميدان واحد.
وبعد..
فإننا حين نربي إنما نقوم بواجب شرعي، يسألنا الله عن أدائه ولا يسألنا عن نتيجته، فنتعبد لله بالعمل ونصبر على هذا الطريق، ومن الله الأجر والثواب.
ِ