السؤال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. مساء الخير يا أستاذ فايز. معك أخوك أحمد…. معلم حلقة للمرحلة الثانوية.
كما تعلم ما نمر به من هذه الأيام أسأل الله أنْ يفرج عنا هذا الوباء، لدي سؤال: ما أعظم وأهم ما يمكن أنْ توجه الطلاب إليه وتسعى لغرسه فيهم؟ وأهم الأمور التي تجعلها هدفاً لك في هذه الأيام وتضعه من ضمن أولوياتك؟
الجواب: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، حياك الله، وندعو معك بأنْ يغفر الله لنا جميعاً الذنوب التي تزيل النعم وتنزل النقم وأنْ يكشف الله تعالى هذا الضر ويرفع هذا البلاء ويسلم المسلمين منه.
ويقع علينا الانتباه لعدد من الأمور:
أولاً: يتوجب علينا الاستمرار في تقديم البرنامج التربوي، لأن التربية لا تقف إلا بانتهاء حياة الإنسان وموته، فهي مرتبطة بعبادته لله والله تعالى يقول: (واعبد ربك حتى يأتيك اليقين). وحين وصل الحال ببني إسرائيل إلى أشد ما يكون من مطاردة فرعون لهم وتوعده إياهم قال الله تعالى لهم: (واجعلوا بيوتكم قبلة وأقيموا الصلاة وبشر المؤمنين). فكما أنَّ المسلم لا يقطع علاقته وصلته بالله مهما كانت الظروف فكذلك المربون لا يكفون عن أداء واجبهم ولو تغيرت الظروف، ولكنهم يتكيفون مع الواقع ويعملون ما يرونه مناسباً لظرفهم.
ثانياً: في هذه الأزمة فرصة التربية على قوة الإرادة، والتي تعني قوة القلب على تحمل المسؤوليات الفردية والصبر على الالتزام بأداء الواجبات اليومية وتأجيل الرغبات الشخصية. فاليوم الطالب بمفرده وليس مع مجموعته، وتحولت الرقابة عليه في برنامجه التربوي من رقابة المربي إلى رقابة الذات بمعنى أنَّ الطالب هو رقيب نفسه في الغالب، والبرنامج التربوي في ظل هذه الأزمة سيساعدنا كثيراً على هذا الهدف الكبير.
والتربية على قوة الإرادة رغم أنها قد تطول وفيها معاناة إلا أنَّ نتائجها جيدة كرسوخ الإيمان وثبات القلب وحب العبادة وتنمية الرقيب الذاتي والوازع القلبي، ولذا على المربي أنْ يصبر على معاناة البرنامج التربوي الذي يعتمد على الفردانية.
ثالثاً: ربما كان بعض المربين يجعل التقنية وسيلة ثانوية فيما سبق، أما في ظل هذه الأزمة فقد أصبحت وسيلة مهمة وأولية، وعلينا أنْ نتعلم العمل على التربية من خلال التقنية، كالمجموعات التفاعلية والقاعات الافتراضية والتطبيقات المحدودة الخاصة.
رابعاً: إيجاد برامج تعليمية وتدريبية أو الاستفادة مما هو موجود، بحيث يخرج الطلاب ولديهم حزمة معرفية أو مهارية استفادوها من مكثهم في المنزل.
خامساً: كثيراً ما اعتذر المربون عن التزود العلمي الخاص بهم وكثيراً ما أجَّلوا برامجهم العلمية الخاصة بهم لكونهم مشغولين جداً، واليوم فالأغلب ملازمون لبيوتهم قسراً، فتوفرت لديهم الفرصة لتعويض ما فاتهم من العلم والتزود من المعرفة، من خلال عمل برامج خاصة بكل فرد أو بكل مجموعة عمل، للقراءة والاطلاع وحفظ المتون وحضور دروس العلم من خلال النت ونحو ذلك، وقل مثل ذلك في جانب العبادات.
أما ما يتعلق بالبرنامج التربوي المقدم للطلاب والذي يحتوي أهدافاً وقيماً، فالأفضل أنْ يستمر على ما هو عليه من حيث الأهداف والقيم، إلا ما أجبرتنا الأزمة على تغييره، مع إضافة ما يلي:
- تربية الطلاب على الالتزام بالورد اليومي من تلاوة القرآن الكريم (غير الحفظ)، وأعتقد أنَّ هذا من أعظم الأهداف التربوية، سواء كانوا طلاب حلقات أو غير حلقات، فربط الناس بكتاب الله تعالى بحيث يشعرون أنَّ عليهم واجب الاتصال اليومي به يعدُّ من أعظم أهداف التربية الإسلامية.
- تربية الطلاب على الفرار إلى الله وقت الأزمات، وأنه لا ملجأ منه إلا إليه، وذلك من خلال تأسيس المفاهيم كأهمية التوبة والدعاء والتضرع إليه وتأثير المعاصي في إحلال النقم وزوال النعم وغيرها من المفاهيم التي جاءت بها الآيات والأحاديث، ومن خلال تصحيح مفاهيم مثل موقع الأسباب من التأثير وتفسير الأزمة المادي البحت والإغراق في متابعة ماجرياتها.
- تربية الطلاب على السلوكيات اليومية اللازمة للتعامل الصحيح مع هذا الوباء لتجنب العدوى وسلامة الجسد منه، وهذا مهم.
- تربية الطلاب على إدارة حياتهم المنزلية والأسرية بشكل جيد، لأنهم في هذه الأزمة يقضون كل وقتهم داخل المنزل، فيقع علينا تحسين طريقة حياتهم داخل المنزل من حيث التعامل مع الوالدين وبقية الأسرة، والجانب الغذائي، والتعامل مع المشكلات وغير ذلك.
واعتقد أنَّ هذه الأزمة – إذا رفعها الله تعالى عنا، ونسأله ذلك – سيخرج منها المربون برصيد جيد من المعرفة والمهارة والنجاحات إذا تفاءلوا وعقدوا العزم على خوض التجارب الجديدة وصبروا على معاناة العمل. والله المستعان في كل الأحوال.
الاثنين 28 رجب 1441هـ