المجهود التربوي الذي يقدمه الوالدان في أسرتهم والمربون في المحاضن التربوية في بعض الأحيان لا يسلم من تعثره بسب حدوث مشكلات تعترض طريقهم، نتجت من سلوكيات وأخلاق وأعمال وأفكار الأبناء والطلاب.
وللوالدين والمربين مذاهب وطرائق في علاجها، تختلف بحسب الثقافة التربوية ونمط شخصية المربي والظروف التي تحف المشكلة التربوية العارضة، وفي هذه المواقف توجد النجاحات كما توجد الإخفاقات، فأصبح من المهم التذكير بعدد من القواعد المهمة التي يحسن استحضارها لدى الوالدين والمربين في تلك الحال.
وابتداء يجدر التنبيه إلى أنَّ المشكلة التربوية هي موقف فيه غموض، صادر عن المتربي، يبدو للوهلة الأولى أنه خاطئ، ويحتاج إلى تحليله بغية الوصول إلى نتيجة لعلاجه وحله. وهذا التعريف المقارب مهم لفهم الموضوع الذي نتحدث عنه في هذه السطور.
وأمثلة المشكلات التربوية كثيرة، كالتدخين وتعاطي المخدرات والعلاقات غير الشرعية وترك الصلاة والعقوق والهروب من المدرسة واختلال فكرة الإيمان بالقدر وغيرها الكثير والكثير.
وللقواعد فوائد، منها تكوين منطلقات للعمل في حل المشكلات التربوية، ومنها تأطير السلوك التربوي حتى لا يتطرف في علاج المشكلات فيحدث خطأ آخر.
القاعدة ١ : حدوث المشكلات التربوية أمر طبيعي.
المتربي ابناً كان أو طالباً لا يزال قيد التشييد والبناء، أيْ نفترض أنه لم تنضج لديه الشخصية، وأن نوازعه وغرائزه في حالة تفوق على عقله وإيمانه، وفي هذه الحال نتوقع حدوث مشكلات أو أخطاء في حدود معقولة تتناسب مع ظروف نشأته ومحيطه وبيئته التربوية والأسرية.
الأمور غير الطبيعية هي تجاهل هذه المشكلات أو الهروب من متابعة علاجها أو تجاهلها أو الحل العشوائي. على المربي أن يواجه هذه المشكلات بعقل وحكمة ووعي.
القاعدة ٢ : النظر في جذور المشكلة أولى من النظر في أعراضها.
لأن المواقف والسلوكيات الصادرة عن الإنسان هي في حقيقتها إفراز لمعتقداته وأفكاره واتجاهاته، والسلوك الخاطئ الذي يقوم به هو في حقيقته تعبير عن تشكل مفهوم ما لدريه، فإذا أردنا معالجة المشكلة التربوية علينا أن ننظر في تلك الاتجاهات والدوافع والأفكار، لنكون قادرين على الوصول إلى أفضل نتيجة.

القاعدة ٣ : ليس بالضرورة للمشكلة التربوية سبب واحد وحل واحد.
الإنسان كائن مركب معقد، له نوازعه ودوافعه ورغباته وحاجاته، وما يصدر عنه من مشكلات ربما تكون نواتجَ لخليط من هذه الأمور، فإذا كانت كذلك فإنه غالباً يحتاج إلى وصفة تتكون من أكثر من دواء، لعلاج المسببات التي أدت إلى حدوث المشكلة.
القاعدة ٤ : ليس هناك حل كامل في وسط غير كامل.
الأوساط التربوية التي يعتورها الخلل والنقص الظاهران يصعب أن تنتج حلولاً ممتازة، لكن هذا لا يعني التوقف عن إيجاد الحلول، فتخفيف المشكلة التربوية يعتبر حلاً جيداً في حال عجزنا عن الحلول الكاملة.
القاعدة ٥ : هناك حلول ممتازة، لكنها غير ممكنة.
ربما نستطيع (نظرياً) إيجاد الحلول الممتازة للمشكلات التربوية، لكننا لا نستطيع تقديمها، لضعف قدراتنا أو لضعف استجابة المتربين أو لأسباب أخرى. في هذه الحال يجب ألا يصرفنا ذلك عن إيجاد حلول أقل جودة لكنها ممكنة، لأجل تخفيف المشكلة.
القاعدة ٦ : إعطاء المشكلة حجمها الحقيقي.
تلعب الأعراف ونظرة الآخرين من جهة والعاطفة والحب الأبوي من جهة أخرى إلى تعظيم بعض الأخطاء أو تهوين البعض الآخر، وعلى المربين أن يكون لهم ميزان شرعي تربوي يقيسون به حجم المشكلات والأخطاء، فمثلاً هناك فرق بين الكبائر والصغائر، والأخطاء القاصرة والمتعدية، ونحو ذلك من الموازنات.
القاعدة ٧ : الوجدان شريك مهم في حل المشكلات التربوية.
إظهار حب المربي والتذكير باليوم الآخر وتعظيم شأن الجريمة في النفس .. كلها أمور وجدانية لكنها مهمة في سياقها، ولها تأثير فعال في علاج المشكلات.
القاعدة ٨ : المكان والزمان عاملان مهمان في حل المشكلات.
في حديث قاتل المائة يتبين لنا خطورة المكان الذي تعيش فيه على سلوكك واتجاهاتك، وينطبق ذلك على الزمن الذي تعيش فيه، بما فيه من ظروف وملابسات، فما كان شاذاً في وقتٍ ما قد يصبح مألوفاً في وقت آخر. هذا الأمر يضع بصمته على تقييم الأخطاء والمشكلات، ويساعد في تحليل جذورها وطرق علاجها.
القاعدة ٩ : تحرير المشكلة التربوية كتابة.
التحرير الكتابي ورسم الخرائط والهياكل أثناء دراسة المشكلة يعطي نتائج أقوى بكثير من بحثها ذهنياً وشفوياً، لأننا ونحن نبحث المشكلة سندرس أعراضها وأسبابها وجذورها وظروفها وفرص النجاح في علاجها، والكتابة تجعل الأفكار حاضرة لا تفوت أو تُنسى.
القاعدة ١٠ : النظر في المشكلات التربوية يتطلب نوعي التفكير التحليلي والإبداعي.
الوالدون والمربون بحاجة إلى التفكير التحليلي والذي يقوم على الاستقراء والاستنباط والتقويم في بحث أسباب المشكلة التربوية وجذورها وملابساتها، وبحاجة إلى التفكير الإبداعي والذي يقوم على الخيال والتشعب في إيجاد الحلول المناسبة، ثم بحاجة إلى التفكير التحليلي لتقويم هذه الحلول.

القاعدة ١١ : غالباً المشكلة التربوية تنبع عن احتياج نفسي لم يُشبع.
وعلى الوالدين والمربين تعلم وفهم مسألة الاحتياجات النفسية لدى الأبناء والطلاب، لأن إشباع الحاجات بالشكل المتزن يقلل من وقوع المشكلات جداً، وأحياناً يصفّرها، وتعلمها ليس بالعسير، يمكن من خلال دورة تدريبية معرفة الحد الأدنى المقبول منها.
القاعدة ١٢ : تضخم نوع محدد من المشكلات يدل على خلل ما في البيئة التربوية.
الأسرة أو المحضن التربوي الذي تتزايد مشكلات من نوع واحد أو مقارب يؤشر إلى أن الأسرة أو المحضن التربوي بحاجة إلى إعادة النظر في سلوكها التربوي وأهدافها وفعالياتها التربوية.
القاعدة ١٣ : آخر الدواء الكي.
نهج الشدة والقسوة في حل المشكلات ليس هو الأصل في التربية، ولكن ربما احتاج الوالدون والمربون إلى هذا المسلك التربوي في حل المشكلات، بشرط أن يكون هذا المسلك هو نتيجة بحثنا ودراستنا للمشكلة وحلها، وألا يكون نتيجة انفعالاتنا وعاطفتنا، وعندما تكون القسوة خياراً علمياً فسيكون لها بحول الله تعالى جميل الأثر، بخلاف ما إذا كانت نتيجة انفعالات آنية.
والله الموفق.